expr:class='

البرامج الترفيهية.. دعوة تصحيح

      
: مدربة الحياة  سهير رمال 

  قطعا، تلعب البرامج الترفيهية دورا كبيرا في تسلية وترفيه المشاهدين، ومن ثم تكتسب أهميتها، لكن ثمة فارق بين الترفيه وبين الاستخفاف الذي يؤدي إلى تسطيح الفكر، وضحالة الرؤية، والتأثير السلبي على السلوكيات أو الثقافات المنتشرة بين قطاعات الأجيال المختلفة. اللافت للنظر أن الكل يشكو ما تبثه برامج المسابقات، الكليبات، البرامج الكوميدية، ويشكو ما تحتويه من "بلاهة فكرية" تستخف بعقول المشاهدين، ومع ذلك فجانب كبير من المشاهدين يقعون فريسة لهذه البرامج، والمتابع للحركة الثقافية العربية سيلاحظ مجموعة من المشكلات التي انبثقت في الفترة الأخيرة، وكان منبعها تردي الإعلام وتفاقم إشكاليات الواقع، وفقدان الكثير من الرواسي الفكرية والثقافية والقومية، أهمها "الخصوصية الثقافية".

أظن هذه النقطة مسألة جديرة بالتأمل، فهل من أجل إضحاك المشاهد يصبح اللجوء إلى الألفاظ المتدنية والنكات البذيئة أمرا عاديا؟ هل من أجل جذب المشاهد/ بتقديم الغريب، تقديم موضة، مثلا، مبتذلة؟ هل من أجل الإثارة الإعلامية نقوم بتشويش الفكر، والتأثير السلبي على الناس، وإدخال تقاليع وتقاليد غريبة عنا؟ إن الذين يقومون بذلك، بالطبع، دخلاء على الفن، وعلى المسيرة الإعلامية برمتها. إنهم قلة، منتفعة، تسعى إلى الربح بأي وسيلة، حتى وإن كان على حساب ثقافة أمة وتاريخ شعوب، هم يعرفون هدفهم جيدا، ويحددون ضحيتهم "المشاهدين، والشباب تحديدا باعتبارهم الشريحة الكبر من المشاهدين.

إن الإعلام الحقيقي والجاد والهادف يسعى إلى تنمية الشعوب، وإثراء الثقافة، وبناء الإنسان في المقام الأول، عبر الرسالة الجليلة التي تقع على كاهل من يعمل بهذا المجال. ومع التقدم التكنولوجي والتطور الهائل في وسائل الإعلام واكتساح الحياة الحديثة قيم الماضي، يدرك الإنسان فقدانه لقيم تغرس في تكوينه كالصدق والأصالة، فعاد ليشتري ما رماه في البحر سابقا.

تمثل الأسرة الدائرة الأولى لتلقي الطفل لثقافته، وهي المسئولة الأولى عن التنشئة، باعتبار أن من شب على شيء شاب عليه، وقديما كانت تهتم الأسر بتعميق أواصر المحبة والأصالة داخل نفوس أطفالهم، إلا أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية والوتيرة المتسارعة للحياة أدت إلى انشغال أولياء الأمور، سواء الآباء أو الأمهات، ومن ثم تسعد الأمهات بانشغال أطفالهن، ووقوعهم في أسر الجهاز السحري الصغير "التلفزيون" حتى لو مكثن أمامه فترات طويلة، للتفرغ الأمهات لتلبية الحاجات اليومية والاعتيادية. وقلما تفكر الأمهات في مضمون ما يقدم للأطفال، بخاصة وهم في المرحلة الأولى من أعمارهم، والكثيرات من النساء لا يلقين بالا بكل ما يمر أمام أعين الأبناء وما ترسخ هذه المواد الإعلامية في أذهان الأطفال.

اعترف أن مجتمعاتنا مازالت في حاجة كبيرة لكل تطور إعلامي، وللمواد المتباينة من شرائح الإعلام، لأن التنوع يساعد على سد متطلبات الحياة، ويرسخ قيم تجاور الثقافات، فضلا عن هدم مبدأ الثقافة الواحدة، وكسر فكرة الواحدية في المجتمعات العربية، إلا أن كل ذلك لابد أن يتم وفق مشاريع قومية تستهدف أولا وأخيرا بناء الإنسان، الذي سيقود الوطن يوما ما. لابد من وجهة نظري، وضع خطط إستراتيجية يقوم بتنفيذها الحكومات والمؤسسات المدنية وكافة القطاعات المجتمعية، يكون هدفها التوعية ورفع الذوق، ولتعمل المؤسسات التعليمية على تدريس التربية الجمالية ليستطيع الفرد التمييز بعد ذلك بين القبح والجمال، بين الترفيه الممتع والاستخفاف المهين المهدر لآدميته.

ولإكساب وجهة نظرنا وجاهتها ومنطقيتها وموضوعيتها، نؤكد على قول د.محمد محي سليمان، مستشار التنمية البشرية ورئيس مجلس إدارة الأكاديمية الدولية للاستشارات والتدريب، أن شبابنا اليوم يفتقر إلى القدوة والهدف، ولا بد أن تصاغ المواضيع والحوارات والنقاشات بحيث تؤثر فيهم إيجابيا، وذلك عن طريق برامج مدروسة وموجهه تناهض فكر التطرف والإرهاب وتوجه إلى الاعتدال والإنتاج لكي نثير فيهم الإبداع بايجابية.

أخيرا، تذخر مجتمعاتنا بالثروات المتعددة، وأهم هذه الثروات، وأغلاها، هم الشباب. وبعيدا عن نظرية التآمر، هناك من يحاول تسميم هذه الثروات عبر إعلام فاسد، ومواد تلفزيونية متخلفة، ومن ثم باتت المواجهة واجبة علينا جميعا، والتصدي لهذه الظواهر ضرورة، لكن على الشباب أولا ألا يسلموا أنفسهم لهذه البرامج، وأن يسعوا نحو المعرفة الحقيقية ، ورسالتي لهم أن تتخذوا من الكتاب صاحبا، وأن نتصدى

ليست هناك تعليقات: